آخر الأخبار

الحقوقي في وطننا.. من السجون و المعتقلات إلى المطاعم الراقية و المنتجعات

0

علاء كعيد حسب / شاعر و كاتب صحفي
أن يتحول الحقوقي، بين ليلة و ضحاها، إلى شخص ليس له ماض نضالي أو مسار حافل على قارعة السجون، يهاجم من بوق الآخريين حسب هواه و مزاجه، في انتقائية يراد لها ما يراد، تحت يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان و محاربة الفساد و المفسدين، فذاك أمر لا يمكن السكوت عنه، و يجب التصدي له مهما كانت التبعات.
و بالعودة إلى الوراء، سنوات تناغم الحقوقي مع ما يمثله و ينادي به من مبادئ، قرأنا بأن الحقوقي إنسان همه الوحيد هو إقرار منظومة كونية تحفظ للبشر أجمعين كرامتهم و تحميهم من التمييز و تضمن حقوقهم، قرأنا بأن الحقوقي مكتبة تمشي على قدمين أدماهما التعذيب و التنكيل و سنوات عجاف من ظلم السلطة و حتى المجتمع، قرأنا بأن هذا الحقوقي نبي الجمال في أوطان قبيحة، قرأنا و قرأنا و قرأنا، غير أن ما قرأناه كان مجرد حبر سحري على ورق الزمن الهارب.
ولأننا في وطن أضحى القبح فيه ماركة مسجلة، وزاغت فيه البوصلة عن جميع الوجهات المنطقية، تحول الحقوقي إلى كائن يتباهى بوجباته في المطاعم الراقية وحلوله بالفنادق المصنفة واستجماماته في المنتجعات الساحرة التي لا يعرف أولاد الشعب الذي يدعي الدفاع عنهم حتى الطرق المؤدية إليها.في وطننا، وياللبؤس، تحول الحقوقي إلى كائن انتهازي يبحث عن موطئ قدم له في خانة البورجوازية بفضل مآسي المحرومين و البؤساء و المظلومين من أبناء و بنات الأمة، لأن الحقوقي في وطننا “شاطر” و يعرف من أين تؤكل الكتف.
الحقوقي في وطننا بيته من زجاج، رغم ذلك يرمي الآخريين بالحجارة، يطلق نيرانه في الهواء و في جميع الوجهات، و لا يميز بين غراب و حمامة، لأن كل ما يطير يستحق من منظوره السقوط، وغالبا ما يكون حطبا لنار لا يعرف متى ابتدأت و متى تنتهي، و خنجرا لطعن البعض نيابة عن آخريين.
و لو قمنا بجولة خارج الحدود، لوجدنا الصورة التي كوناها عن الحقوقي في صبانا ماثلة في عدد من الأماكن، ففي الجارة الجزائر اعتقل و يعتقل العشرات من الحقوقيين فقط لأنهم حقوقيون، و في السعودية حكم على “رائف بدوي” بالسجن عشر سنوات و غرامة بالملايين، إضافة إلى ألف جلدة، بسبب تأسيسه جمعية حقوق الإنسان بهذا البلد، و في مصر يلقون حتفهم شأنهم في ذلك شأن رفاقهم بعدد من البلدان العربية. و لأن وطننا و لله الحمد يتمتع بحيز حريات و حقوق لا مثيل له في باقي البلدن العربية، فقد استغل البعض ممن لا نعرف مؤهلاتهم و لا من أين نبتوا، ذلك، ليخرجوا علينا كل يوم بجمعية تم إقحام حقوق الإنسان غصبا في اسمها، دون دراية حتى بمبادئ حقوق الإنسان و لا بالمقررات الأدبية و القانونية في هذا المجال.
و لأن التعميم كفر بالحقيقة، وجب تقدير الحقوقيين الذين يعلموننا كل يوم معنى التضحية و الكفاح و الالتزام، أولئك الحقيقيون و غير المزيفين الذين يتمتعون بوعي حقوقي شامل و متكامل. وجب لزاما علينا شكرهم، و بعضهم ممن نجالسهم و نناقشهم و نعلم صفاء سريرتهم و حجم التضحيات التي يقدمونها للمضي قدما و الاستمرار في رسالتهم النبيلة. لهؤلاء الحقوقيين نقول: شكرا لأنكم تحفظون كرامتنا و حقوقنا و تدافعون عن قيم الجمال، في زمن الغذر و القبح و البؤس.. شكرا لأنكم بيننا..

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط