آخر الأخبار

اللامركزية الشكلية في ظل هيمنة المعينين على المنتخبين

0

يبدو في الظاهر على أن الدولة تسعى لترسيخ أسس اللامركزية في سعيها لتحقيق ديموقراطية محلية تقنع المواطنين في الداخل، وتلمع صورة الدولة داخل النسيج الدولي في الخارج.

لكن واقع الحال يبين أن ظهير شتنبر 1976 كسند قانوني وقانون منظم يفرغ اللامركزية من محتواها، بل يكبلها بتقويته لسلطة الوصاية اقليميا ووطنيا والسلطة المحلية محليا على حساب المجالس الجماعية سواء كانت قروية أو حضرية، فنصبح أمام مركزية في المضمون ولامركزية في الشكل.

فالسلطة المحلية في شخص القائد أو الباشا أوكلت لها مهمة السهر على حفظ النظام والأمن العام والعمل على تطبيق التشريع كما منح لها حق التدخل في تأسيس الجمعيات والتجمعات العامة والصحافة والنقابات والانتخابات وتسخير الأشخاص والمؤسسات والممتلكات والمهن الحرة وجوازات السفر والرقابة على الأسعار والمرفق العمومي من صحة وتعليم وغيره.

ورغم كل هذه الاختصاصات التي توسع بقوة القانون دائرة عملها وبالتالي نفوذها وامتدادها، فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه الى مشاركة رؤساء المجالس الجماعية في جملة من الاختصاصات سواء في الشق المتعلق بكونهم ممثلين للسكان أو الشق المتعلق بكونهم ممثلين للدولة على حد سواء. فرئيس المجلس البلدي أو القروي باعتباره ممثلا للسكان من مهامه تسيير المجلس الجماعي وتنفيذ قراراته، وتشاركه السلطة المحلية في صلاحية استدعاء المجلس للانعقاد في دورة استثنائية بطلب كتابي، وكذلك في وضع جدول الأعمال، ورغم أن السلطة المحلية ليس لها حق التصويت لكن المشرع أعطاها حق التدخل لتوضيح النقاشات أو لضبط الحضور وهو أمر لا يخفي توجيها ضمنيا لسير الاجتماعات.

أما رؤساء المجالس الجماعية باعتبارهم ممثلين للدولة فهم يمارسون صلاحية ضابط الحالة المدنية وصلاحية الشرطة الادارية الجماعية حيث تتم هذه الأخيرة تحت اشراف ورقابة الادارة العليا. بل قد تحل السلطة المحلية محل الرئيس في مجمل الاختصاصات في حالة رفضه القيام بالتزاماته التي يفرضها القانون وذلك بعد عدم استجابته رغم انذاره.

أما سلطة الوصاية فهي أكبر وأشمل حيث تمارس وصاية على الأشخاص والأعمال. في الأولى تتمثل الوصاية في اقالة كل مستشار جماعي تكرر غيابه عن الدورات أو امتنع عن أداء مهامه أو توقيف الرئيس ونوابه أو عزلهم.

أما في وصايتها على الأعمال فتنقسم الى شقين اثنين : مراقبة المشروعية ومراقبة الملاءمة.

فسلطة الوصاية في مراقبتها للمشروعية تمس جانبين البطلان وقابلية الابطال، بحيث تعتبر باطلة كل المقررات المتعلقة بموضوع خارج اختصاصات المجلس الجماعي أو التي تنطوي على خرق للنصوص التشريعية والتنظيمية. أما القابلية للابطال فهي تطال أي مقرر بشأن قضية تم التداول فيها بمشاركة مستشار تهمه بصفة شخصية أو بصفته نائبا عن غيره.

وبخصوص مراقبة الملاءمة فإن العديد من مقررات المجلس الجماعي تخضع لرقابة تفيد اخضاعها لمصادقة مسبقة من قبل مجلس الوصاية ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

الميزانية الجماعية، وفتح حسابات خارجها، وتحديد نوع الضرائب وتدبير المصالح الجماعية وابرام عقود الايجار التي تفوق مدتها عشر سنوات، وتسمية الساحات والطرق العمومية، وكل ما يتعلق بالأسواق والمعارض سواء على مستوى احداثها أو الغائها أو تغيير أماكنها.

إضافة الى كل ذلك فهناك قرارات صادرة عن رئيس المجلس الجماعي لا يمكن أن تصبح نافذة إلا إذا حملت تأشيرة وزير الداخلية.

وبالتالي فإن القانون يقيم ظاهريا نوعا من التوازن الشكلي في العمق يكرس اختلالا في العلاقة بين المجالس الجماعية وسلطة الوصاية مما يدفعنا للتساؤل عن مركزية في العمق مقابل حلم اللامركزية.

وإن هذا الاختلال في ميزان القوى الذي يعطي صلاحيات للمعين أقوى من صلاحيات المنتخب، يمنح للسلطة امتدادا ونفوذا داخل النسيج الاجتماعي ويجعل من أطيافه أعوانا ضمنيين حتى لو كانوا يملكون سلطة مادية أو اعتبارية ليستلهموا بعض القوة التي تدعمهم انتخابيا، أو اجتماعيا.

بالاضافة الى تشكيل الخارطة السياسية وطنيا والحزبية محليا حين ترجح السلطة كفة أحزاب على حساب أخرى نتيجة لبعض التوافقات أو المصالح المشتركة، رغم أن هذه المساندة لا تصل الى تزوير الانتخابات لكنها تستطيع أن تضيق الخناق على كل المبادرات والمشاريع التنموية.

ومن هنا يتضح أن سلطة الوصاية تمسك بدواليب الأمور صغيرها وكبيرها، فإلى أي حد يمكن للتعديلات الدستورية المرتقبة أن تنعكس ايجابا على الخارطة السياسية الوطنية وعلى تفعيل اللامركزية الحق.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط