مصطفى لغتيري
– تتأسس فلسفة القصة -من حيث العمق- على عدم الوثوقية، والإيمان- إلى حد بعيد- بالنسبية، فحين يقدم لنا القاص أو الروائي شخصيات عدة ويمنحها الفرصة للحديث وللقيام بالأحداث دون تدخل منه أو وصاية، فهو يقول لنا- من حيث العمق- إن لا أحد يمتلك الحقيقة، وإن كل ما في الأمر أننا أمام وجهات نظر، يتعين علينا قبولها مهما اختلفنا معها،. وهذا لعمري أهم درس يقدمه لنا الأدب عموما والقصة بشكل خاص. وهو بالتالي ما يجعل القصة فنا حديثا بحق.
– القصة قصة لأنها تحكي حدثا أو أحداثا تنمو وتصل إلى نهاية معينة. وهي قصة قصيرة لأنها تعالج بطريقة فنية تربط البداية بالنهاية وبوسط القصة في شريط لغوي قصير، وتبرز حالة إنسانية نوعية أي أنها في الغالب ترصد حالات التحول في حياة الإنسان، وهي حالات غالبا ما تتميز بالهشاشة، فتكشف الضعف الإنساني وعبثية الوجود وضياع الفرد في مجتمع عدواني لا يرحم.
– متى أعرف أن القصة التي أقرأها ناجحة؟
فقط حين تحفزني تلك القصة على كتابة قصة أخرى، وغالبا ما تكون القصة التي أكتبها بتأثير منها ناجحة، لأنها نبهتني- ولو بشكل غير مباشر- إلى أمر لم أنتبه إليه من قبل، ولم يسبق لي استثماره في الكتابة.
-كيف تكتسب النفس في كتابة القصص؟
فقط اعتمد مبدأ التداعيات، فمثلا إذا كانت الشخصية في البستان، ففي البستان أشجار مثمرة والأشجار فيها فواكه، والفواكه تستدعي تاجرا والتاجر سيأتي بشاحنة ، والشاحنة ستذهب إلى السوق وفي السوق تجار، شبابا وشيوخا، وكل شيخ او شاب يمكن ان ينقلنا إلى بيته وفي بيته أبناء ولكل ابن أوبنت حكاية وهكذا..
– بتأثير من الإيديولوجية اعتبر الأدب وضمنه القصة “رسالة” بمعنى أنه يخدم قضايا اجتماعية أوسياسيةأ وأخلاقية، هذه القضايا التي غالبا ما تدفع القاص ليضحي بالقصة من أجل “القضية”، فيرتفع صوته ويصبح نصه عبارة عن بلاغات وشعارات ومحاكمات أخلاقية.
-اجعل الحكاية عمودا فقريا لقصتك، وإلا ستكون قصة رخوة لا يأخذها أحد على مأخد الجد.
-المجاز المفرط في القصة غالبا ما يجنح بها نحو قصيدة النثر أو الخاطرة.
– القصة قصة والشعر شعر، لذا من اللازم الانتباه إلى ذلك خلال كتابة كل منهما، فاللغة الشعرية أو المشعرنة غالبا ما تشي بأن القاص لا يعي الحدود بين الأجناس الأدبية، إذ أن لغة القصة تميل إلى ان تكون سردية ومحايدة وموضوعية تساهم في تطوير الحدث وتنميته ، فيما لغة الشعر مجازية وسكونية ، تعمق المعنى عموديا، فيما تمضي به القصة أفقيا.
– القصة القصيرة جدا لا تسمح بأي فذلكة لغوية بسبب قصرها الشديد لذا تميل إلى استعمال لغة محايدة، وتتكون من جمل فعلية في الغالب، تتوجه نحو الهدف مباشرة، والتعويل على ذكاء القاص ليحسن التخلص في نهاية القصة.
– التراث العربي والإنساني مليء بالمواقف التي يمكن للقاص استثمارها بتسليط الضوء عليها من وجهة نظر مختلفة، أو التركيز على جانب منها لم يوله الناس اهتماما قبله.
– في القصة القصيرة جدا على القاص أن يتوجه رأسيا نحو النهاية، أما في القصة القصيرة فيستحسن أن يلتفت يمينا وشمالا قبل بلوغ نهايتها.
-الجميع يعرف أن رأسمال الكاتب هو الخيال، وبدونه لا يساوي شيئا.. إذن استثمر خيالك في كتابتك لقصصك. العب به كما تشاء، واستثمر الأحلام واللامعقول والعبث والفانطستيك وقصص الحيوان والخيال العلمي.. كل ذلك مباح لك كقاص ومن العيب أن تفرط فيه.
– في القصة القصيرة جدا بؤرة القصة هي قفلتها أي نهايتها، لذا يجب إيلاؤها أهمية خاصة، فالقاص يفكر فيها من أول جملة، وكلما كانت مفارقة وتكسر أفق انتظار القارئ حققت النجاح المطلوب.
– وأنت تكتب قصتك تخلص من وهم أن القصة تنقل الواقع، بل هي تعيد إنتاجه انطلاقا من تصورك لذاتك وللعالم من حولك ، أي من فلسفتك في الحياة.
– حين تكتب القصة القصيرة أو القصة القصيرة جدا لا ينبغي أن تقول كل شيء.. تذكر دوما أن القصة القصيرة هي فن الانتقاء والاختزال بامتياز.. فيها نقول فقط ما يخدم الأثر الذي نتغياه من القصة، وأي حشو فهو يسيء إليها أكثر مما يفيدها.
– وأنت تكتب قصتك احترس من إغراء الألفاظ الطنانة ذات الجرس الإيقاعي الرنان أو المعاني” الكبيرة”، فالقارئ الفطن سيدرك انك فقط تستعرض عضلاتك اللغوية دون مبرر لذلك.
-خلال كتابتك لقصتك تجنب الأحكام الأخلاقية أو المغزى الأخلاقي، اللذين يكونان مبررين في الحكايات وقصص الأطفال..
في القصة القصيرة والقصيرة جدا ركز فقط على تصوير الشخصية وهي تقوم بالأحداث دون أن تخندق نفسك معها أو ضدها، واترك الحكم للقارئ دون تدخل منك أو وصاية.
– الحوار مهم في القصة لأنه يجعلنا نصغي مباشرة إلى الشخصيات دون وساطة من القاص، لكن يجب الانتباه إلى هذا الحوار فنجعل الشخصية تتحدث بما يلائم مستواها الثقافي والاجتماعي.
– على القاص أن يتجنب كتابة قصته على وتيرة واحدة، فينوع في كتابة قصته ما بين السرد والوصف والحوار.
– القصة القصيرة أو القصيرة جداً بنية متكاملة ومنسجمة، لذا يتعين على كاتبها أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار وهو يكتبها، فمنذ الجملة الأولى وحتى نهاية القصة ينشغل القاص بتحقيق هذا الانسجام، فيحرص على أن تخدم أي كلمة أو عبارة هذا الهدف، وأن لا تكون مجانية أو تزيينية، أو يمكن الاستغناء عنها دون أن يحدث أي خلل في بنية القصة.
– وأنت تكتب قصتك لا تنس أبدا أنك تقوم بعمل فني، لذا يجب أن تكون لغتك جميلة، لتزيد النص القصصي رونقا وبهاء، واللغة في القصة تصبح جميلة حين تكون مكثفة وقصيرة وبرقية ومتوترة وذلك بإهمال أدوات الربط: الواو والفاء وثم…
كما أنها تصبح أجمل باختراقها للرتبة التقليدية للجملة من خلال التقديم والتأخير، ومن ذلك تقديم الجار والمجرور والحال والظرف…
– حين تكتب قصتك تذكر دوما حواسك واستثمرها في الكتابة، فالشخصية ترى ما يحيط بها، فحاول وصفه لنا مع ضرورة مراعاة انسجامه مع الأحداث، واعلم أنه إن حسن توظيفه سيعبر بشكل غير مباشر عن نفسية الشخصية فرحا وحزنا وقلقا، مما يبعد عنك شبح التقريرية والمباشرة، كما أن للشخصية أذنين تسمعان أصواتا وأنفا يشم الروائح، فنقل كل ذلك في القصة يمنحها ثراء ودقة ويوهم القارئ بواقعيتها، ويشعره بأنه يشارك الشخصيات عيش الأحداث والتأثر بها.
– حين تنهمك في كتابة نصك القصصي تجنب- قدر استطاعتك- الحكي وكأنك تسترجع أحداثا وقعت سابقا، واعمد-بالمقابل- إلى تجسيدها أمام أعيننا وكأنها تحدث الآن أمامنا، واعلم أن الفعل المضارع قد يسعفك في تحقيق ذلك.
– ورغم أن كثيرا من القراء والكتاب سيعترضون على ذلك، أقول:”ليس للقاص قضية يخلص لها ويدافع عنها غير قضية القصة، فيكفيه فخرا أن يقدم لنا قصة فنية مقنعة، تضاف إلى النصوص/الفصوص المميزة المنتمية إلى هذا الفن الجميل”.
وغني عن القول أن القاص ليس مصلحا اجتماعيا أو أخلاقيا ولا داعية دين، بل هو أديب والأدب فن بالدرجة الأولى.
– تختلف القصة عن المقال في كون القصة تتميز بتوفرها على معنيين: معنى أول يفهم من ظاهر النص والمعنى الثاني يكمن في باطن النص، فيما يفهم المقال بمعناه الأول المباشر، لذلك يجب الحرص على أن لا تكون قصصنا سطحية ومباشرة، وأن تتوفر على معنى عميق، يسمح بتعدد القراءات والفهم والتأويل.
– وأنت تكتب قصتك تذكر أن القارئ يهوى تلك الانفلاتات” الفانطاستيكية” العجائبية، التي بقدر ما تبدو مفاجئة وغير معقولة ولا يقبلها المنطق إلا أنها تكسر “واقعية” الأحداث وتمنحها الكثير من الطرافة المرتجاة وتحلق بالخيال إلى أقصى الحدود، كما يحدث وأنت تتحدث عن “شخصية”في إحدى قصصك: بعد ليلة أرق يمشي” س” وحيدا في شارع مقفر في إحدى المدن الكبرى خلال الصباح الباكر .. يتوقف عند بركة اصطناعية ليتأملها فتفاجئه حورية بحر بظهورها المربك.. تطفو على سطح البركة وما تلبث أمام ذهوله أن تحدثه..
– عنوان القصة عنصر بنيوي فيها، فله غايات عدة، أهمها حماية القصة من الاختلاط بغيرها أي إنه يمنحها جزءا من هويتها، كما أنه يغري بقراءتها، لكن يجب أن نحذر من أن يكون تلخيصا للقصة،أو يفضح معناها، وكلما كان مخاتلا وموحيا ومكثفا وذكيا كان أفضل، ويتألق العنوان حين تكون قراءة النص مفتاحا لفهمه وليس العكس.
-بإيحاء من الاتجاه الواقعي والاتجاه الطبيعي في الأدب كان القاص -في مرحلة ما-مطالبا بتقديم بورتريه كامل عن الشخصية ورسم ملامحها الفزيولوجية والنفسية، الأمور اختلفت الآن فيكفيك تقديم بعد الإشارات الذكية عن الشخصية، دون إطناب أو مبالغة، لتترك للقارئ الفرصة سانحة للمساهمة في بناء الشخصية وتشكيلها حسب هواه وثقافته و تصوره للحياة, فالقارئ المعاصر عنصر فعال في بناء القصة.
-حين تتقدم في تنمية أحداث قصتك، لا تنس أبدا أنك باستثمارك لتقنية “الفلاش باك” أو الاسترجاع، يمكنك حكي احداث من الماضي تمنح القصة بعدا أعمق، وتتيح لنا معرفة أبعاد جديدة في تاريخ الشخصية المتخيل.
–
حين تتقدم في تنمية أحداث قصتك، لا تنس أبدا أنك باستثمارك لتقنية “الفلاش باك” أو الاسترجاع، يمكنك حكي احداث من الماضي تمنح القصة بعدا أعمق، وتتيح لنا معرفة أبعاد جديدة في تاريخ الشخصية المتخيل.
– الحبكة من التقنيات الأساسية في الكتابة القصصية، وعلى القاص أن يوليها أهمية خاصة، حتى يتقن كتابة قصصه، والحبكة تعني في أبسط تعريف لها أن يكون الحدث التالي نتيجة للحدث السابق.
ولتوضيح الفرق بين الأحداث بحبكة وبغيرها نورد المثالين الشهيرين التاليين.
حدثان بدون حبكة: مات الزوج و بعد أسبوع واحد ماتت الزوجة.
حدثان بحبكة: مات الزوج وبعد أسبوع واحد ماتت الزوجة حزنا عليه.
– غالبا ما ينشغل القصاصون الشباب بالمضامين ظانين أن هناك مضامين تصلح للقصة وأخرى لا تصلح لها، وهذا تصور غير سليم فكل المواضيع تصلح لتكون مادة للقص والعبرة بطريقة تناولها وتقديمها للقارئ. حتى أنه يمكن القول ليس مهما ما تقوله بقدر ما هو مهم كيف تقوله.
– في قصصك تجنب المبالغة في جعل شخصيتك حزينة باستمرار أو سعيدة باستمرار، واعلم أن ذلك من تأثير الاتجاه الرومانسي الذي عفا عنه الزمان، فالحياة ليست أحزانا كلها ولا أفراحا كله،ا وليس فيها أشخاص طيبون بالمطلق أو سيئون بالمطلق. اسع لتعكس في قصصك تناقضات الحياة، ففي أوقات متقاربة قد نسعد ونحزن وقد نكون طيبين ثم نتحول فجأة إلى أشرار إذا مست مصالحنا.
– الغنائية من العيوب المقيتة في القصة ولا تعني سوي الحضور القوي لذات الكاتب وما يترتب عن ذلك من بوح وشكوى، فكلما أبعدت ذاتك نجحت قصتك، وحتى لو استعملت ضمير المتكلم لا تنس أبدا أنك تتقمص شخصية مختلفة عنك وأنك لا تكتب عن ذاتك. وأنك تستعمل ضمير المتكلم كحيلة سردية فقط للإيهام بحقيقة ما تسرده، لأن القارئ يهوى التلصص على حياة الكاتب الواقعية، ويقبل على القراءة إذا أوهمه بأن ما يحكيه لنا يطابق حياته.
-القصة الناجحة تتمتع بدرامية قوية “والدراما” في أبسط تعريفها هي الصراع، ولكي تتحقق في القصة فكر دائما في الشيء ونقيضه، وضع للشخصية الرئيسية شخصية مناقضة تمنعها من تحقيق أهدافها.