آخر الأخبار

شبكات التواصل الاجتماعي و الحراك السياسي

0

رضوان قطبي

كثرت التحاليل والتفسيرات في العالم العربي بخصوص دور شبكات التواصل الاجتماعي٬ كأدوات فعالة ساهمت في التغييرات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية. وبناء على هذه المعطيات٬ فقد ساهمت هذه الشبكات الاجتماعية في تحفيز المواطنين على أخذ زمام المبادرة في عملية التغيير السياسي، بدلا من الحركات العمالية والأحزاب السياسية التي فشلت في خلق وإدارة عملية التغيير السياسي ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية.

من زاوية التحليل السياسي٬ فإن المراقب والمتتبع لمجريات الأحداث في بلدان “الربيع العربي” يجد نفسه محاطا بمجموعة من التساؤلات المشروعة٬ حول الدور السياسي الذي قامت و ما تزال تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي في بعض البلدان العربية، خاصة وأننا سمعنا هنا وهناك تسميات من قبيل “ثورة الفيسبوك” و “ثورة تويتر”. فهل فعلا٬ قادت مواقع التواصل الاجتماعي دينامية الحراك السياسي في المنطقة العربية؟ وأسهمت في إعادة ترتيب الفسيفساء السياسي لعدد من البلدان العربية وفي مقدمتها تونس٬ ومصر٬ وليبيا ٬واليمن٬ وسوريا ؟.
لا يخفى على أحد٬ أن نتائج التطور التقني والتقدم العلمي الذي تعرفه البشرية، حولت العالم إلى قرية صغيرة ذات أبعاد كونية عابرة للجغرافيا والثقافة والتاريخ .عالم تتداخل فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية٬ إلى درجة أن الحديث عن مسألة السيادة الوطنية واستقلالية القرار السياسي والاقتصادي٬ لم تعدو كونها أضغاث أحلام يحتاج تطبيقها على أرض الواقع لمعجزة. ومن بين عوامل شد وتثبيت أواصر مكونات هذه القرية الكونية نجد الشبكة العنكبوتية المعروفة باسم “الانترنت”٬ بأدواتها المتنوعة٬ والتي تتطور أشكالها يوما بعد يوم٬ ومساهمتها في جعل العالم مسطح على حد تعبير “توماس فريدمان”. وفي قلب هذه الشبكة العنكبوتية شبكات التواصل الاجتماعي (خاصة الفيسبوك و تويتر) التي يعتبرها البعض كتجسيد واقعي للمواطنة العالمية لأنها تعمل على ترسيخ فلسفة حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. تطور نظر إليه البعض٬ بأن له انعكاسات مهمة لكونه بدأ يتدخل في هندسة الشئون السياسية٬ كسلطة خامسة تتنافس مع الإعلام التقليدي والسلطات السياسية٬ في عملية إدارة و توجيه الرأي العام. سلطة جديدة تتجاوز الآليات السياسية التقليدية٬ وتخلق بالمقابل أرضية ديمقراطية على شاكلة ساحة الأغورا عند قدماء اليونان. كما تستطيع هذه السلطة الهروب من عقال الرقابة والتضييق.
أكيد٬ أن هذا الواقع الإلكتروني وقوامه شبكات التواصل الاجتماعي٬ قد أحدث تغييرا في موازين القوى بين المواطن والسلطة، عبر تقوية فاعلية الفرد في مواجهة السلطة٬ وهذه الفاعلية أخذت شكلين رئيسين.
الشكل الأول٬ يكمن في القدرة على الولوج إلى المعلومة، فمن يملك المعلومة يملك قدرا من السلطة٬ لأنه يكون قادراً على إحداث تأثير معين. ففي حين٬ كانت السلطة السياسية للدولة تملك المعلومة وتتحكم في تدفقها٬ وبالتالي تصب في اتجاه تكريس سلطتها وتسويق إيديولوجيتها. أتاحت الشبكات الاجتماعية، للأفراد العاديين الوصول إلى المعلومات بشتى أنواعها٬ إلى الدرجة التي لا يمكن للدولة تجاهلها أو التحكم فيها.بل أهم من ذلك، جعلت من المواطن العادي مناضلا سياسيا عبر إبداء الرأي في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. اليوم٬ أصبحت الدولة تواجه باستمرار ضغط الرأي العام المدعوم من سلطة العالم الافتراضي. وبالتالي٬ أصبح الفرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة رقابية وتوجيهية مؤثرة في سياسات وقرارات المؤسسة السياسية.
وبناء عليه٬ أصبحت السلطة السياسية للدولة مطالبة بنهج مقاربة جديدة تستند على أحد الخيارين التاليين؛ خيار الحضور القوي على شبكات التواصل الاجتماعي٬ لتحسين صورتها٬ أو لتحويل الأفكار السلبية التي يمكن أن تتشكَّل لدى الرأي العام إلى إيجابية عبر التفاعل معهم بالطريقة المثلى، واستثمار كل استراتيجيات التواصل السياسي. وخيار العمل على وقف تدفق المعلومات والمعطيات ومحاولة السيطرة عليها. وهذا الخيار الأخير لا يعدو كونه محاولة فاشلة لا تقوى على مجابهة الطوفان ، فلا يمكن لأي سلطة سياسية الوقوف أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والسيطرة عليها، ومن أبرز الأمثلة هو الحرب المعلوماتية التي دشنت بين الصين وشركة محرك البحث الأهم في العالم “جوجل” وهي محاولة فاشلة للعودة للسيطرة على المعلومات والتحكم في تدفقها. وبالتالي٬ فالحضور الفاعل لدى مختلف المؤسسات السياسية يعدُّ الخيار الأفضل.
الشكل الثاني٬ يتمثل في القدرة على الحشد؛ إذ دفعت هذه الوسائل بالأفراد العاديين إلى المشاركة في الحراك السياسي عبر تبادل وتشارك الأفكار و المعلومات، ‮‬وهو ما أدى إلى مراكمة عناصر القوة لدى الأفراد في مواجهة السلطة السياسية القائمة. والحقيقة٬ أن تجاوز الفرد لحواجز الخوف من السلطة والقيود التي فرضت عليه من قبل٬ تعني حدوث تغير نوعى في الحالة النفسية للفرد، نقلته من حالة اليأس والخوف إلى حالة الفاعلية والأمل في تحسين هذه الوضعية. فهل يمكن القول٬ بأن ثورات الربيع العربي٬هي ثورات شعبية حركتها وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك وتويتر٬ عن طريق قدرتها على حشد الناس وتجميعهم وتعبئتهم؟. . إن المكانة الكبيرة التي أخذتها شبكات التواصل الاجتماعي في نسختها العربية٬ في نظر البعض أثناء التغيرات السياسية في المجتمع العربي٬ يدفع المحلل السياسي إلى البحث عن حقيقة دور هذه الوسائط الجديدة في صناعة الحدث السياسي بشكل موضوعي، و بالتالي٬ فإن هناك نوع من المبالغة فى تضخيم دور شبكات التواصل الاجتماعي فى تحريك الأمور السياسية يتجاوز واقع حالها الفعلي. وهذا التشكك بفاعلية شبكات التواصل الاجتماعي بكل أصنافها تعود أسبابه في الحقيقة إلى قضيتين أساسيتين:
القضية الأولى٬ تتمثل في ضعف انتشار استخدامات الانترنت في العالم العربي و الذي لم يصل إلى المستوى الذي يمكن له أن يلعب دورا مهما في الحياة السياسية على غرار ما يمكن رصده في بقية دول العالم. فبسبب قلة المشاركة، وتبعا لطبيعة الانفتاح السياسي لكل جزء من أجزاء المجتمع العربي على نفسه وعلى الخارج، خاصة في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا٬ فإن دور فاعلية هذه الشبكات تبقى نسبية إلى حد ما. فحسب الإحصائيات التي يقدمها تقرير حالة الانترنت العالمية Internet World Statsلعام 2011، فإن نسبة انتشار الانترنت في الوطن العربي ونسبة مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك تبقى ضعيفة مقارنة مع بقية دول العالم. فنسبة مستخدمي الانترنت في العالم العربي لعام 2011 هي 3.3% مقارنة بـ 96.7% في بقية العالم. وأن عدد المشتركين في الفيسبوك حتى 31 مارس 2012 هو 20.247.900، في حين أن عدد المشتركين في العالم في هذا الموقع هو 815.277.380. ولم تحصل أي دولة عربية على موقع في قائمة قمة العشرين دولة الأكثر استخداما للانترنت في العالم. فكيف يمكن لهذا العدد القليل من لعب دور فعال في دينامية الحراك السياسي.
والقضية الثانية٬ تكمن في أن محدودية فاعلية شبكات التواصل الاجتماعي العربية في دينامية الحراك السياسي٬ لا يفسر فقط بضعف استخدام الانترنيت٬ أو ضعف انفتاح السلطات السياسية٬ أو انغلاقها على التطور التكنولوجي٬ الذي حول العالم إلى قرية صغيرة،بل لا يمكن تجاهل وضعية الأمية فى العالم العربي٬ والتي تلعب دورا أساسيا في تكريس هيمنة بعض النخب واللوبيات على مفاصل الحياة السياسية بالمنطقة العربية.غير أن المسألة الأكثر خطورة٬ تتمثل في اقتران معضلة الأمية المتفشية بمعضلة هشاشة الوضعية الاقتصادية، وضع يشكل حجر عثرة في طريق المشاركة السياسية، بمعنى أن نسبة العاطلين عن العمل والأعداد الكبيرة من الأميين تساهمان في إضعاف تكوين الرأسمال الاجتماعي الضروري لدفع المواطنين نحو المشاركة البناءة في رسم معالم مستقبل البلاد وطبيعة نظامها السياسي. وعليه٬ تفتقد عملية المشاركة السياسية المسئولة لأهم المقومات الأساسية وعلى رأسها التوفر على مواطن منتج اقتصاديا وناضج معرفيا.
بالعودة إلى دور شبكات التواصل الاجتماعي٬ في الحراك السياسي الذي عرفته عدة أقطار عربية. يمكن التأكيد٬ على أن دينامية الحراك السياسي٬ ونسمات القيم الديمقراطية التي تهب على المنطقة٬ لم تكن صنيعة شبكات التواصل الاجتماعي٬ بل إن هناك عوامل أخرى داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية٬ ساهمت بقوة في تغيير الواقع السياسي. لكن بالمقابل٬ فان هذا لا يقصي الدور المهم الذي لعبته وسائط التواصل الالكتروني في نقل الأحداث وبلورة الأشكال النضالية و تحريض الشارع.
باحث في التواصل السياسي

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط