آخر الأخبار

هل تستقل اسكتلندا عن المملكة المتحدة ؟

0

في غمرة انشغال الرأي العام الدولي،بالتطورات المتسارعة حاليا في منطقة الشرق العربي،انزوى نسبيا إلى الهامش حدث سياسي أوروبي، لايقل أهمية عن باقي حلقات شريط استيقاظ نعرة الأقليات العرقية والطائفية والدينية ،التي تحرك حاليا أفق العالم المعاصر.
أقصد بذلك،الاستفتاء المقرر يوم الثامن عشرة من شتنبر،ونتيجته الحاسمة فيما يتعلق بمصير استمرار الوحدة بين اسكتلندا وبريطانيا،التي استمرت طيلة ثلاثمائة عام،تحت سقف نفس مؤسسات المملكة المتحدة،أم سيختار الاسكتلنديون استقلالهم الذاتي؟.
حتى اللحظة،تبدو المسافة الفاصلة بين الوحدويين والانفصاليين،ضيقة جدا،لأنهما يتمتعان بالحظ ذاته،ويصعب التخمين لترجيح كفة هذا الطرف على حساب خصمه.الفارق العددي ضئيل،حسب الاستطلاع الذي أجراه معهد “يوغوف” لصالح صحيفتي “تايمز” و”صنداي”،بحيث تبلغ نسبة مؤيدي الوحدة 52% ،مقابل 48% من الأصوات التي أعلنت عن تطلعها إلى استقلال اسكتلندا عن لندن.بما أن المشهد كذلك،والمشاعر مشتعلة بالحدة ذاتها لدى الجانبين،فقد انبثقت أصوات من داخل اسكتلندا،تحذر من قابلية تطور الموقف إلى حرب أهلية.
مع بداية أيام العد التنازلي،كثفت حكومة لندن من تحركاتها،قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه،والاحتفاظ بنسيج الاتحاد سالما متماسكا،كي لاتتضاءل مساحة المملكة المتحدة بما يقارب الثلث وكذا 8% من عدد الساكنة،لكن خاصة المآل السلبي الذي ستنحو نحوه مجموعة مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية،انتعشت وفق مسارات الاتحاد عبرآلاف السنين.هكذا أجبر مؤخرا ديفيد كامرون،على إلغاء إحدى الجلسات الأسبوعية ،التي يعقدها مجلس العموم كل يوم أربعاء لمساءلة الحكومة،وقرر السفر إلى اسكتلندا لاستعادة بعض من الرصيد الذي يملكه زعيم الرهان على الاستقلال،الوزير الأول الاسكتلندي أليكس سالموند.
طارئ،أجبر أيضا زعماء حزب المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار،رغم تبايناتهم السياسية حول قضايا عدة،كي يتوحدوا ويوقعوا بهذا الخصوص بيانا مشتركا،أعلنوا معه بصراحة، عن مايلي :((هناك الكثير الذي يفرقنا،لكن يوجد شيء واحد نتفق عليه بقوة،وهو أن المملكة المتحدة أفضل لنا معا)).خطاب،لم يتوان سالموند الواثق بمزايا الاستقلال من خلال تصريحاته الإعلامية،كي يدحضه بنبرة تصعيدية :((لاأحد يصدق وعودهم المزعومة،إنه جدول زمني زائف لصلاحيات تافهة،والتصويت بنعم للانفصال،سيقدم جدولا زمنيا حقيقيا من أجل صلاحيات كاملة تحتاجها اسكتلندا)).
يكمن لب الصراع بين الجبهتين،في كون دعاة الاستقلال انتهوا إلى خلاصة مفادها أن حكومة المملكة المتحدة،تخدم أساسا مصالح انجلترا دون اكتراث لاحتياجات الاسكتلنديين.في المقابل،يلح المتمسكون بالوحدة،على أن الصيغة المؤسساتية القائمة تشكل نوعا من القوة،بالتالي تقتضي المصلحة الوطنية استمرار انتماء اسكتلندا إلى إطار المملكة المتحدة.
بالتأكيد،إذا أقرت نتيجة التصويت دعوة الانفصال،فسيحدث ذلك هزة سياسية بكل المقاييس،لن تكتفي فقط رجاتها بخلخلة الحدود الضيقة لباقي مكونات المملكة المتحدة،كما الحال مع إقليم “ويلز” ،ثم أساسا إيرلندا الشمالية الشهيرة في هذا السياق بصراعاتها التاريخية الطويلة،بل ستمتد إلى مناطق أوروبية متباعدة تتحين كل آن ذات الفرصة ،وقد تلمست أخيرا في النموذج الاسكتلندي معطى واقعيا.وقتها ستشرئب الأعناق،على الفور جهة كاتالونيا الاسبانية،التي تعيش بدورها فوق صفيح ساخن، بخصوص علاقاتها بحكومة مدريد.
تاريخ 24مارس 2016،هو بالضبط الموعد الرسمي المفترض لسريان الاستقلال،إذا حُسم الأمر بداية مع اقتراع 18شتنبر2014،لأن تفاصيل الواقع الجديد ستلزم الطرفين بإجراء مفاوضات ماراطونية ومتعبة،قد تستغرق حسب الخبراء 18شهرا،لتفكيك هياكل نظام سياسي واقتصادي ومالي وعسكري،تداخلت روافده نسقيا منذ عام 1707 .
الملكية،نفط بحر الشمال،العملة،الدستور،العضوية في المنظمات العالمية لاسيما الاتحاد الأوروبي وحلف الشمال الأطلسي،مصير قاعدة الغواصات النووية البريطانية في اسكتلندا،اقتسام الديون ثم طبيعة الإجراءات المتعلقة بالحدود…،تلك أهم المفاهيم التي سينصب عليها النقاش في حالة الاستقلال،بحيث نستشف من خلال حرب التصريحات،أن رمزية الملكية ربما القضية الوحيدة المحسومة إلى حد ما،حين أعرب الحزب القومي الاسكتلندي عن تطلعه كي تكون اسكتلندا الجديدة ملكية دستورية وملكتها إليزابيث الثانية ثم الانضمام إلى مجموعة دول الكومنولث،بيد أن القصر لازال ملتزما الصمت حيال المقترح بل والموضوع عموما.أقول،غير هذا الجانب،فالقضايا الأخرى التي سيتم بحثها بين العاصمتين لندن وأدنبرة،تبدو من كل الجوانب شائكة ويصعب حسمها بيسر.
على سبيل الذكر،يرغب الاستقلاليون في الاحتفاظ بالجنيه الإسترليني كعملة،لكن وزير المالية البريطاني جورج أوزبون، أعلن منذ الآن رفضه القاطع.صرح أليكس سالموند في خطاباته،بأن أول مطلب ستناضل من أجله الحكومة الاسكتلندية،يقتضي مغادرة الغواصات النووية البريطانية لقاعدة “فاسلين”المتواجدة داخل المياه اسكتلندا، وكذلك رحيل القوات المسلحة البريطانية التي تتخذ من نفس الإقليم مقرا لها.
كيف سيتم الإشراف على الحقول النفطية والغازية في بحر الشمال ؟هل باقتسامها أم ماذا؟وهي التي مثلت باستمرار ورقة رابحة لأليكس ألموند،الذي يرى بأن الوحدة أضعفت قدرات اسكتلندا الاقتصادية ،لكن بعد الاستقلال وبفضل الاعتماد على إيرادات النفط،سينتقل البلد حسب تصور ألموند إلى المكانة الدولية الجديرة به.
فيما يتعلق بإشكالية الحدود،يتوخى المشروع الاسكتلندي،تسهيل قوانين الهجرة،مما سيحرض على النقيض بريطانيا كي تضاعف من قوانينها الوقائية.بدوره،سيتحمل اقتصاد اسكتلندا أعباء مالية تتجاوز قدراته الذاتية حين مرور معظم صادراته ووارداته عبر الأراضي البريطانية،مادامت البنيات التحتية لأسكتلندا غير مؤهلة حتى الآن كي تواكب النشاط الاقتصادي المتوقع.أعلن البنك المركزي عن نيته لنقل مقره إلى انجلترا،في حالة التصويت لصالح الاستقلال،كما أفصحت الأبناك وشركات النفط وكذا المتاجر العملاقة،عن مشاعر القلق والاستياء من احتمال الانفصال.
هل ستضطر انجلترا إلى مغادرة مجلس الأمن، أم ستحتفظ دائما بمقعدها كما حدث سابقا لروسيا مع الاتحاد السوفياتي ؟هل بوسع اسكتلندا المستقلة تقديم طلب العضوية إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الشمال الأطلسي…؟
أسئلة متعددة،ينبغي على الاسكتلنديين التعامل معها بجدية منذ الساعات الأولى لصبيحة الجمعة، إن جاءت نتيجة التصويت إيجابية بخصوص الانفصال.

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط