آخر الأخبار

يا سامية.. لا يمكن أن نعادي الوطن حتى ولو كنا نتوسد فيه “الطريطوار” فقط

0

عزيز العتابي
لم يكن أجدادنا مخطئين حين كانوا يقولون: “حب الأوطان من الإيمان”، ولم يكن الشاعر أحمد شوقي مجانبا للصواب حين ردد قوله الشعري الذائع الصيت:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
أو بيته الشعري الذي أنشدناه باعتزاز في أكثر من مناسبة، ونحن ما نحن عليه من فقر وبؤس وتهميش:
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام
ببساطة لأننا يمكن أن نختلف حول شكل الدولة التي نريد، وألا نكون على رأي أولي الأمر فينا فيما نريد لهذا البلد من رفعة وسمو، وحرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية، هذا شيء يفرض التدافع السلمي هنا على ظهر هذه الأرض وبين أحضان هذه الأمة بشكل سلمي ومدني، لم يكن الكبار من أمثال عبد الله إبراهيم وعلال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري، ولا نوبير الأموي ومحمد بوستة وعلي يعتة وأبراهام السرفاتي… وغيرهم كثيرون من الوطنيين والديمقراطيين الذين ما باعوا ولا خانوا ولا هادنوا، لم يكونوا على وفاق مع صناع القرار في الدولة المغربية لا في شكل نظرتها للماضي ولا لما يحدث في حاضرهم ولأفق صناعة المستقبل، وأتيحت لهم كل الفرص الذهبية ليلعنوا البلد ووالد وما ولد، لكنهم كانوا متعففين أن يبيعوا الوطن بقناطر من ذهب ودخلوا السجون وعرفوا المنافي ومرارة التغييب عن المغرب وأحبتهم به، لكنهم ما خانوا وطنهم ولا وضعوه في المزاد العلني، وها هم مثل الشهداء الزرقطوني وعلال بن عبد الله وإبراهيم الروداني وغيرهم، شهداء عند ربهم يرزقون وفي قلب أبنائه يذكرون غدوة وعشية.. ببساطة لأننا يمكن أن نختلف حول شكل المغرب الذي نريد، لكن لن نختلف حول عشق المغرب كوطن، ولا نقبل التسول به للحصول على جنسية أو لجوء سياسي أو نغمس أقلامنا في حبر الدم الذي يوجع الوطن.
مناسبة هذا الكلام، هو ما أعتبره رسالة مفتوحة للزميلة سامية الرزوقي التي أصبحت تكتب بنفس حبر من يحقدون على المغرب، لا أعرف هل بدعوى التميز؟ أم بسبب ارتمائها في حضن أجهزة معادية للمملكة؟ أم فقط لأنها تتلقى بنات أفكار مقالاتها من سيدها الجديد “الأمير الأحمر” رغم أن واجب الصحافي هو قول الحقيقة لا الارتماء في هذا الحضن أو الدفاع عن وجهة نظر هذا الطرف حتى بتزييف الحقائق ضد الوطن؟ وهذا نص رسالتي للزميلة سامية الرزوقي:

عزيزتي سامية:
تابعت عبر ما يقارب عقد من الزمان ما تكتبينه عن المغرب واستغربت حقيقة لغة العداء والحقد وكل أشكال الضغينة التي تشوب مقالاتك وتغريداتك، حتى أنني أتساءل إن كان هذا المغرب الذي كتبت عنه وذهبت بعيدا في الحديث عنه بلغة انفصالية حقودة هو ذات الوطن الذي تقاسمت وإياك استنشاق هوائه ودفء تربته ولعبنا في أرجائه معا وشربنا ماءه وسمعنا حكايات الجدات عنه.. أعرفك منذ الطفولة، وتابعتك مذ كنت مراسلة لوكالة “رويترز” حتى عام 2017، وقبلها مراسلة حرة لوكالة “أسوشايتد بريس”، ومنذ أن التحقت بالأمير الأحمر، انقطعت بنا السبل، من جهة لأنك آثرت الاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن جهة أخرى لأن ما أصبحت تخطينه بقلمك وممهور باسمك كخبيرة إعلامية تنشر في مجلة “فورين بوليسي” و”الواشنطن بوست”، لا يأتي من مداد حبرك المعتاد ولا من سامية الرزوقي التي كنت أعرفها حقيقة فيما مضى، الإنسانة البسيطة، الطموحة والغيورة على بلدها حين كنا نحصي أمانينا على أصابع يد بعضنا البعض بحب وبأمل لا يحد.

عزيزتي سامية:
حين قرأت تغريدة لك على حسابك الخاص في التويتر، وأنت تتحدثين عن “وطنك الجميل” الذين كنا نردد معا قصيدة الشاعر البلغيثي عن المغرب الذي لن تلقى له مثيل حتى ولو جبت الأرض أرضا وفذا، وأنت تتحدثين عن اشتياقك إليه وحنينك إلى زيارته وتحسدين السياح الأجانب على استفادتهم من رؤية رماله وشطآنه الدافئة وجباله الشامخة… ولأني أعرف معنى الغربة عن الوطن، فقد استحسنت تعبيرك الذي يقطر حنينا اتجاه بلدك المغرب، لكن كما يقول الهولنديون: “الكلمات المذهبة تتلوها دوما أفعال رصاصية”، إذ ما كدت أتقدم في قراءة تغريداتك التالية حتى وجدت أنك أشبه بمن يدس السم في الدسم، ففهمت ما كان يردده نيتشه: “من كان يحيا بمحاربة عدو ما، تصبح له مصلحة في الإبقاء على هذا العدو حيا”.. لقد أصبحت عداوة المملكة لديك عقيدة، ومعيشك ربما يستمد قوته من تصريف أحقاد غيرك على لسانك وبحبرك، كيف منحت زمام أمرك لغيرك؟ من أين استنبتت كل هذا الحقد على وطن ظللنا نحلم معا بأن يصبح على ما تغني به البلغيثي شعرا؟ كيف انحزت لأطروحة البوليساريو ضد بلدك؟ لم أضحيت توجهين كل سموم النقد لبلدك وتعلين من موقع خصومه؟ لم تكتفي بعَضِّ اليد التي أحسنت إليك بل سعيت إلى قطعها أيضا وأنت تدعين أن المغاربة بالخارج أصبحوا لا يقوون على زيارة المغرب خوفا على أنفسهم من الاعتقال؟ هل تعلمين أنه لأول مرة يفوق عدد المغاربة الذين زاروا المغرب تجاوز هذه السنة 3 ملايين من الجالية المغربية، كلهم عادوا إلى ديارهم آمنين وغانمين برؤية بلدهم وبزيارة الأهل والأحباب؟ فكيف ترمين الصبي مع ماء الاستحمام كما يقول الفرنسيون.

عزيزتي سامية:
تعلمين أنه ليس صعبا العثور على الحقيقة، وإنما الصعب هو الهروب من الحقيقة. وهذا ما تحاولينه من خلال المقالات المدفوعة الأجر الموضوعة رهن الطلب لأعداء وطنك، جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيا من أجله، وهذا ما نحاول أن نقوم به بإصرار في الداخل دون تجني على الوطن الذي لا يمكن أن نعاديه حتى ولو كنا نتوسد “الطريطوار” فقط فيه.. لست بصدد تقديم دروس في الوطنية لك، لكني نعم أذكرك بأننا لا يمكن أن نصادق أعداء الوطن لننغل في جراح أمة ونتاجر بذاكرتها، وندبج مقالات من حبر فتات ما يجودون به عليك..
ثقي أن المغرب ليس جنة، وأننا هنا صامدون من أجل الدفاع المستميث عن العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية فيه، لكن لا نبيع أرواحنا للشيطان كما فعل فاوست، وفعلت، سوى أن الفرق بينك وبين بطل شكسبير أن الأول كان يريد التميز والخلود فيما أنت يا عزيزتي لم يكن يهمك إلا النعيم الزائف الذي توجدين عليه وأنت في الأحياء الراقية وتزورين الأمكنة الفخمة للبلد الذي كنا نصفه بالإمبريالي، تتذكرين.. فيما نحن ها هنا صامدون، قد نختلف مع من يسيرون أمورنا لكننا لن نبيع وطننا المغرب للأعداء من بوليساريو والجزائر والأمير الأحمر أو الأصفر، ولا نومن بتباشير الكامون.. لأن جلدنا من هذه الأرض وقلبنا عليها، وبئس من يبيع وطنه بثمن بخس ومع ذلك يشتهي شمسه ودفء أهله !

أضف تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط